الاتحادية نت- ترجمة
لسنوات بقت سفينة كبيرة مليئة بالمواد المتفجرة، راسية في الماء دون صيانة أو اهتمام. وحتى للحظة، لا يزال الخبراء يدقون ناقوس الخطر مرارا، محذرين من كارثة كبرى ستحدث إن لم يتم تلاف الأمر، ومع ذلك تم تجاهل التحذيرات من قبل المليشيا الحوثية المتمردة التي تسيطر على المنطقة التي تتواجد فيها تلك الناقلة (صافر) وتمنع الوصول إليها.
يبدو أن هناك تشابها كبيرا في ما حصل في بيروت وما سيقع في اليمن، وكأننا نعيش الفترة التي سبقت انفجار ميناء بيروت المميت هذا الأسبوع والذي يمكن وصفه بأسوأ كارثة في لبنان منذ عقود، باستثناء أن هذا السيناريو الذي لم يحدث بعد، يتكشف قبالة الساحل الغربي لليمن، مما يهدد بإشعال أسوأ تسرب نفطي في العالم على الإطلاق وضرر إيكولوجي لا يوصف.
الدمار الهائل وعدد الوفيات الذي خلفه انفجار بيروت المميت أثار المخاوف الدولية عما إذا كنا بانتظار كارثة مماثلة تحدث في اليمن، مع ما قد يترتب على ذلك من عواقب مدمرة على البلاد.
منذ عام 2015، وبعد انقلاب مليشيا الحوثي على الحكومة المعترف بها دوليا، تقطعت السبل بناقلة النفط “إف سي أ” (صافر)في البحر الأحمر، وهي تصدأ مع ما تحمل على متنها مما يقرب من 1.1 مليون برميل من النفط. وتقول الأمم المتحدة إن الحالة الفنية لناقلة النفط تتدهور يوميا، مما يزيد من احتمالات حدوث تسرب نفطي إذا تمزق أي من خزاناتها. ووفقا لتقارير الأمم المتحدة، فإن مياه البحر تتسرب بالفعل إلى السفينة.
في حال وقوع كارثة، يمكن للناقلة اليمنية أن تطلق أربعة أضعاف من كميات النفط الخام المسكوبة في كارثة إكسون فالديز عام 1989، ومن شأن ذلك أن يضر بالحياة البحرية، ويعرقل الممرات الملاحية الحيوية في البحر الأحمر، ويحطم الاقتصادات الإقليمية.
و أكثر من ذلك يمكن الجزم أيضا أن ناقلة النفط باتت في حكم ومستوى القنبلة الضخمة المحتملة الإنفجار. وكما يقول الخبراء، تماما، تشبه المخزونات الكبيرة من نترات الأمونيوم المتفجرة التي جلبتها سفينة روسية إلى بيروت والتي تم تخزينها فيما بعد في مستودع في مينائها، حالة النفط المخزن في ناقلة صافر لسنوات، دون تهوية، لذا فقد باتت هذه الكميات الهائلة من النفط تشكل تهديدًا كبيرًا بالانفجار.
وقال إيان رالبي، الرئيس التنفيذي لشركة “آي آر كونسيليوم”، وهي شركة استشارية للأمن البحري، وكتب على نطاق واسع بخصوص ناقلة صافر، إن “التحذيرات بشأن نترات الأمونيوم، والتي كانت مخزنة لسنوات في مرفأ بيروت ظلت مجردة للناس، حيث لم يكن لديهم أي فكرة أو تصور عما سيبدو عليه هذا النوع من الانفجار، ولم يدركوا العواقب الهائلة للتقاعس والرضا عن الذات”.
مضيفا: “هذا مشابه جدا لما يحدث مع ناقلة النفط صافر”.
وزير الاعلام اليمني معمر الارياني كان قد حذر الخميس من “كارثة بشرية واقتصادية وبيئية” في حال غرقت الناقلة قطاع أو انفجرت.
الإرياني قال في تصريح لوكالة الأنباء اليمنية (سبأ) إن “الانفجار الهائل الذي وقع في ميناء بيروت وتداعياته جراء الخسائر البشرية الفادحة والأضرار الكارثية التي لحقت بالاقتصاد والبيئة اللبنانيين تذكرنا بالقنبلة الموقوتة صافر”.
وتحاول الأمم المتحدة منذ سنوات إجراء تقييم تقني لحالة الناقلة وإجراء إصلاحات خفيفة، وهي خطوة أولى لتفريغ النفط في نهاية المطاف وجر السفينة إلى مكان آمن للتفتيش وتفكيكها. لكن السفينة، التي تبعد حوالي 37 ميلاً شمال غرب مدينة الحديدة الساحلية، ترسو في المياه القريبة من المناطق التي يسيطر عليها المتمردون الحوثيون.
واليوم، لا تزال الأمم المتحدة تنتظر إذنا من المتمردين الحوثيين لزيارة السفينة، وفي الشهر الماضي، قال مارك لوكوك، كبير مسؤولي الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، لمجلس الأمن إن الحوثيين وافقوا أخيراً على السماح لبعثة تابعة للأمم المتحدة بتفتيش السفينة، لكن لوكوك أشار أيضا إلى أن المتمردين منحوا الإذن في أغسطس 2019 فقط لإلغاء المهمة في الليلة السابقة لتحديد موعدها.
ووفقاً لرالبي ونشطاء حقوق الإنسان، يسعى الحوثيون إلى بيع النفط المخزن على متن الناقلة صافر، الذي تقدر قيمته بما يصل إلى 40 مليون دولار، على الرغم من أن رالبي ومحللون آخرون يقولون إن قيمة الشحنة أقل بكثير الآن، بسبب وباء الفيروس التاجي، والتخمة العالمية في النفط الخام، وخمس سنوات من الجلوس في خزانات متآكلة. وبدلاً من ذلك، يأمل المتمردون في استخدام النفط كأداة للمساومة ضد الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً.
وهنا ينتهي أمر أي تشابه بين ما حصل في بيروت وبين المتوقع أن يحصل في اليمن، كما يقول النشطاء.
وقال جيري سيمبسون، مدير الأزمات والصراعات في هيومن رايتس ووتش، محاولا توضيح الفرق بين ما حصل في بيروت وما متوقع أن يحدث في اليمن: “الحوثيون يعرضون حياة 30 مليون شخص وسبل عيشهم ورفاههم للخطر لأسباب استراتيجية وعسكرية وسياسية، بينما ما حصل في بيروت يبدو الأمر وكأنه إهمال محض من السلطات”.
وأضاف أن “الحوثيين ليس لهم أي مصلحة على الإطلاق في التخلص أو مزايا الاستراتيجية في حربهم ضد جيران اليمن، ويخدمون جهة أخرى، رغم ذلك لا يزالون مصممون على جعل موضوع الناقلة أداة تفاوضية للوصول إلى نتائجها الاستراتيجية”.
تم بناء خزان صافر كناقلة نفط عملاقة في منتصف السبعينيات في اليابان، وهي مملوكة رسمياً للحكومة اليمنية، وتسيطر ميليشيا الحوثي بالقوة على الناقلة منذ عام 2015، بعد إنقلابهم وسيطرتهم على العاصمة صنعاء.
وفي مايو/أيار، سمح تسرب مياه البحر بالانتشار في غرفة المحرك، الذي وصفه لوكوك إنه”قربنا أكثر من أي وقت مضى من حدوث كارثة بيئية”.
وفى الشهر الماضي اعربت الحكومة البريطانية وكبار مسئولى الامم المتحدة عن قلقهم لمجلس الامن الدولى .
وقالت إنغر أندرسون، المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة: “إذا خرج الوضع عن السيطرة، فإنه سيؤثر بشكل مباشر على ملايين الأشخاص في بلد يعاني بالفعل من أكبر حالة طوارئ إنسانية في العالم. وسوف تدمر النظم الإيكولوجية بأكملها لعقود وتتجاوز الحدود”.
ومن المؤكد أن ذلك سيؤثر على حياة ما لا يقل عن 28 مليون يمني، يعانون بالفعل من المجاعة والمرض وانتشار الفيروس التاجي.
وقال رالبي إن الكثيرين يعتمدون على موارد البحر الأحمر في سبل عيشهم، ومن شأن تسرب النفط على نطاق واسع أن يدمر “فرص الصيد والتنمية الساحلية لأجيال”.
وقد توصلت نتائج دراسة أجرتها الأمم المتحدة أن تسرب النفط يمكن أن يضر بمصائد الأسماك على طول ساحل البحر الأحمر في اليمن، ويؤدي إلى زيادات حادة في أسعار الوقود والمواد الغذائية، ويتسبب في خسائر المحاصيل ويلوث الآلاف من آبار المياه. كما أنه سيدمر النظم الإيكولوجية للبحر الأحمر، وهو مجال هام للتنوع البيولوجي، ومن شأنه أن يقتل مئات الأنواع من الثدييات البحرية والسلاحف البحرية والطيور البحرية، فضلا عن تدمير الشعاب المرجانية البكر.
وقال أندرسون: “في هذه الصورة القاتمة، هناك نقطة مضيئة واحدة، هذه الكارثة يمكن الوقاية منها تماما، إذا تصرفنا بسرعة”.
ترجمه خاصة لسبتمبر نت